الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال في الحكم: إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق العمل فيك ونسبه إليك لا نهاية لمذامك إذا أرجعك إليك ولا تفرغ مدابحك إن أظهر جوده عليك لو أنك لا تصل غليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه. - (م) في الأدب (عن أبي هريرة) زاد الطبراني ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم 1674 - (إن اللّه إذا أطعم نبياً طعمة) بضم الطاء وسكون العين المأكلة يقال جعلت هذه الضيعة طعمة فلان والطعمة أيضاً وجه المكسب يقال فلان عفيف الطعمة وخبيث الطعمة إذا كان رديء الكسب وأما ضبط الكمال ابن أبي شريف رضي اللّه تعالى عنه الطعمة هنا بكسر الطاء وسكون العين وفتح الميم فلا يظهر وجهه وزاد في رواية بعد قوله طعمة ثم قبضه والمراد هنا الفيء ونحوه (فهي للذي يقوم) بالخلافة (من بعده) أي يعمل فيها ما كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يعمل لا أنها تكون له ملكاً كما ظن فلا تناقض بينه وبين خبر ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي صدقة ذكره ابن جرير. قال: وفيه أن من كان مشتغلاً بشيء من مصالح المسلمين كعالم وقاض وأمير له أخذ الرزق من الفيء على اشتغاله به وأنه مع ذلك مأجور وفيه رد على من حرم على القسام آخذ الأجر انتهى. وقال ابن حجر: تمسك بالحديث من قال إن سهم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يصرفه له والفاضل يصرفه في المصالح وعن الشافعي رضي اللّه تعالى عنه [ص 206] يصرف للمصالح وهو لا ينافي ما قبله وقال مالك يجتهد فيه الإمام وأحمد يصرف في الخيل والسلاح وفي وجه يرد إلى الأربعة قال ابن المنذر: كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي رضي اللّه تعالى عنه وقال أبو حنيفة رضي اللّه تعالى عنه يرد مع سهم القربى إلى الثلاثة. - (د) وكذا أحمد وكأنه أهمله لذهول فإنه محافظ على العزو له وتقدمه فيه حتى على الشيخين من طريق أبي الطفيل (عن أبي بكر) الصديق رضي اللّه تعالى عنه قال أبو الطفيل: أرسلت فاطمة رضي اللّه تعالى عنها إلى أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه أنت ورثت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أم أهله قال: لا بل أهله قالت: فأين سهمه قال: سمعته يقول فذكره قال ابن حجر رحمه اللّه: فيه لفظة منكرة وهي قوله بل أهله فإنه معارض للحديث الصحيح أنه قال لا نورث انتهى وقال في تخريج المختصر: رجاله ثقات أخرج لهم مسلم لكنه شاذ المتن لأن ظاهره إثبات كون النبي صلى اللّه عليه وسلم يورث وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة انتهى وفيه محمد بن فضيل أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به وقال أبو حاتم كثير الخطأ والوليد بن جميع قال ابن حبان فحش تفرده فبطل الاحتجاج به. 1675 - (إن اللّه تعالى إذا أراد رحمة أمة) قال ابن الكمال: إذا ذكر الرحمة خصوصاً في مقابلة الهلاك يراد بها الإمهال والتأخير والأمة في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة ولهذا قال (من عباده) جمع عبد وهو الإنسان (قبض نبيها) أي أخذه بمعنى توفاه قال في الأساس: ومن المجاز قبض فلان إلى رحمة اللّه تعالى. قال المولى ابن الكمال: وتقدير المضاف هنا من ضيق العطن (قبلها) أي قبل قبضها (فجعله لها فرطاً) بفتحتين بمعنى الفارط المتقدم إلى الماء ليهيء السقي في القاموس يقال للواحد والجمع وما تقدمك من أجر وعمل قال التلمساني: السابق ليزيل ما يخاف منه ويأخذ الأمن للمتأخر، الطيبي يريد أنه شفيع يتقدم، قال بعض المحققين: والظاهر منه المرجو أن له صلى اللّه عليه وسلم شفاعة ونفعاً غير مأمنه يوم القيامة فإنها لا تتفاوت بالموت قبل أو بعد ولأن الفرط يهيء قبل الورود، يؤيده ما نقل من حضوره عند الموت والميت ونحوه وإن احتمل أن يكون المراد يوم القيامة ولا خفاء في أن قوله فجعله إلخ إشارة إلى علة التقدم فما قيل من أنهم إذا ماتوا انقطع عملهم أو الخير في بقائهم نسلاً بعد نسل مستغنى عنه مع أن فيه ما فيه (وسلفاً بين يديها) وهو المقدم وكل عمل صالح قدمته أو الفرط والمقدم من الآباء والأقرباء كذا في القاموس قال البعض وهو من عطف المرادف أو أعم وفائدة التقديم الإنس والاطمئنان وقلة كربة الغربة ونحو ذلك إذا بلغت بلداً مخوفاً ليس لك بها أنيس وقيل الأجر لشدة المصيبة وقد ظهر أن الاقتصار على الأجر المذكور من القصور انتهى وفي الكشاف في تفسير - (م) في فضائل المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم (عن أبي موسى الأشعري) قال القرطبي وغيره وهذا من الأربعة عشر حديثاً المنقطعة-قلت وليس هذا حقيقة الانقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرغباني قال ثنا إبراهيم بن سعد الجوهري هذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده- الواقعة في مسلم لأنه قال في أول سنده حدثنا عن أبي أسامة. 1676 - (إن اللّه تعالى إذا أراد أن يخلق) وفي نسخة يجعل (عبداً للخلافة) هي المرتبة التي يصلها من يقوم مقام الذاهب أي من تقدمه (مسح يده على جبهته) يعني ألقى عليه المهابة والقبول ليتمكن من إنفاذ الأوامر ويطاع فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل التهيء لمراتب الاستعداد وإيداع القابل فيه من رب العباد محال فمسح الجبهة كناية عن ذلك. قال الراغب: والخلافة والنيابة عن الغير لغيبة المنوب عنه أو موته أو عجزه أو تشريف المستخلف وعلى الأخير استخلف اللّه أولياءه في الأرض. - (خط عن أنس) قضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتاً عليه وهو تلبيس فاحش فإنه خرجه وأعله فقال عقبة مغيث بن عبد اللّه أي أحد رجاله ذاهب الحديث انتهى. 1677 - (إن اللّه إذا أراد أن يخلق خلقاً للخلافة مسح يده على ناصيته) أي مقدم رأسه ولفظ رواية الحاكم مسح على ناصيته بيمينه (فلا تقع عليه عين) أي لا تراه عين إنسان (إلا أحبته) وفي نسخة أحبه بالتذكير على إرادة صاحبها ومن لازم محبة الخلق له امتثال أوامره وتجنب نواهيه وتمكن هيبته من القلوب وإجلاله في الصدور. ثم إن بعضهم قد حمله على ظاهر هذا الخبر فحمل الخليفة على الإمام والذي عليه أهل الحقيقة أن المراد به القائم بالحجة من أهل علم الظاهر والباطن أي ظهر بأسماء الحق على تقابلها قال ابن عطاء اللّه: من أراد اللّه به كونه داعياً إليه من أوليائه فلا بد من إظهاره للعباد ثم لا بد أن يكسوه الحق كسوتين الجلالة والبهاء فالجلالة لتعظمه العباد فيقفوا على حدود الأدب ويمتثلوا أمره ونهيه ويقوموا بنصره والبهاء ليجملهم في قلوب عباده فينظرون إليهم بعين المحبة ليبعث الهمم على الانقياد إليهم قال ابن عربي رضي اللّه عنه: إذا أعطي الإنسان التحكم في العالم فهي الخلافة فإذا شاء تحكم وظهر كعبد القادر الكيلاني رضي اللّه عنه وإن شاء سلم وترك التصرف لربه في عباده مع التمكن منه كابن شبل رضي اللّه عنه إلا أن يقترن به أمر إلهي كداود عليه الصلاة والسلام فلا سبيل إلى رد الأمر وكعثمان رضي اللّه عنه الذي لم يخلع ثوب الخلافة حتى قتل لعلمه بما ألحق فيه ونهي المصطفى صلى اللّه عليه وسلم له عن ذلك وحينئذ يجب الظهور ولا يزال مؤيداً ومن لم يؤمن به فهو مخير إن ظهر ظهر بحق وإن استتر استتر بحق والستر أولى وفي هذه الدار إعلاء فمن أمر بالظهور فهو كالرسول وغيره كالنبي. - (ك) عن أبي بكر بن أبي دارم عن محمد بن هارون عن موسى بن عبد اللّه الهاشمي عن يعقوب بن جعفر عن أبيه عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ثم قال [ص 208] الحاكم رواته هاشميون معروف بشرف الأصل. قال الحافظ ابن حجر رحمه اللّه في الأطراف إلا أن شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ. 1678 - (إن اللّه تعالى إذا أنزل عاهة) أي بلاء (من السماء) أي من جهتها (على أهل الأرض) أي ساكنيها من إنس وجن وغيرهما (صرفت) بالبناء للمفعول أي صرفها اللّه (عن عمار المساجد) قال الحكيم: ليس عمارها كل من أنفق على مسجد فبناه أو من رمَّه بل من عمرها بذكره - كصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومذاكرة علم قال بعضهم: ويؤخذ منه أن من عمل صالحاً فقد أحسن إلى جميع الناس أو سيئاً فقد أساء إلى جميعهم لأنه تسبب في نزول البلاء والبلاء عام والرحمة خاصة - وإنما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه أما من عمرها وهو منكب على دنياه معرض عن خدمة مولاه فلا يستحق هذا الإكرام نفسه فضلاً عن الدفع عن غيره لآجله وإن عمر ألف مسجد قال القاضي: عامر كل شيء حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال ومنه سمي الساكن والمقيم في البلد عامراً يقال عمرت المكان إذا أقمت فيه وسمي زوار البيت عماراً. - (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وكذا رواه عنه في النوادر. 1679 - (إن اللّه تعالى إذا غضب على أمة ولم ينزل بها) أي والحال أنه لم ينزل بها (عذاب خسف) بالإضافة أي ولم يعذبها بالخسف بها ومن زعم أن المراد بالخسف هنا النقصان والهوان فقد خالف الظاهر (ولا مسخ) أي ولم يعذبها بمسخ صورها قردة أو خنازير أو نحوهما (غلت أسعارها) أي ارتفعت أسعار أقواتها أي (ويحبس) أي يمسك ويمنع (عنها أمطارها) فلا يمطرون وقت الحاجة إلى المطر (ويلي عليها أشرارها) أي يؤمر عليه أشرهم سيرة وأقبحهم سريرة فيعاملونهم بالظلم والجور والعسف والقسوة والفظاظة والغلظة. قال القاضي: والمراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنيهما. - (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه الديلمي بأوضح من هذا ولفظه إن اللّه تعالى إذا غضب على أمة ثم لم ينزل عليها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارتها وحبس عنها أمطارها ولم تغزر أنهارها ولم تربح وسلط عليها أشرارها اهـ. 1680 - (إن اللّه أذن لي أن أحدث عن ديك) أي عن عظمة جثة ديك من خلق اللّه تعالى يعني عن ملك في صورة ديك وليس بديك حقيقة كما يصرح به قوله في رواية إن للّه تعالى ملكاً في السماء يقال له الديك إلخ (قد مرقت رجلاه الأرض) أي وصلتا إليها وخرقتاها من جانبها الآخر قال في الصحاح مرق السهم خرج من الجانب الآخر (وعنقه مثنية تحت العرش) أي عرش الإله (وهو يقول) أي هجيراه وشعاره قوله (سبحانك ما أعظمك) زاد في رواية الطبراني ربنا (فيرد عليه) أي فيجيبه اللّه الذي خلقه بقوله (لا يعلم ذلك) أي لا يعلم عظمة سلطاني وسطوة انتقامي (من حلف بي كاذباً)-فأزجر شيء وأمنعه عن اليمين الكاذبة استحضار هذا الحديث- فإنه لو نظر إلى كمال الجلال وتأمل بعين بصيرته في عظم المخلوقات الدالة على عظم الخالق لم [ص 209] يتجرأ على اسمه ويقسم به على خلاف الواقع فالجرأة على اليمين الكاذبة إنما تنشأ عن كمال الجهل باللّه تعالى ومن ثم كانت اليمين الغموس من أكبر الكبائر وإن كانت على قضيب من أراك. - (أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن محمد بن العباس عن الحسن بن الربيع عن عبد العزيز بن عبد الوارث عن حرب (طس) عن محمد بن العباس عن الفضل بن سهل عن إسحاق السلولي عن إسرائيل عن معاوية عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة (ك) في الأيمان من طريق عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني رجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد بن العباس بن سهل الأعرج لم أعرفه وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح ولم يستثن. 1681 - (إن اللّه استخلص هذا الدين لنفسه) وناهيك به تفخيماً لرتبة دين الإسلام فهو حقيق بالإتباع لعلو رتبته عند اللّه في الدارين (ولا يصلح لدينكم إلا السخاء-أي التلطف بالناس والرفق بهم وتحمل أذاهم وكف الأذى عنهم-) بالمد الكرم فإنه لا قوام لشيء من الطاعات إلا به-وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا والثانية سخى من باب تعب والثالثة سخو من باب قرب- (وحسن الخلق) بالضم السجية والطبع (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فزينوا) من الزين ضد الشين (بهما دينكم) زاد في رواية ما صحبتموه، فالسخاء السماح بالمال وحسن الخلق السماح بالنفس فمن سمح بهما أصغت إليه القلوب ومالت إليه النفوس وتلقت ما يبلغه عن اللّه. قال الزمخشري: معنى ذلك أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على اللّه وعلى قسمته، فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشاً رافقاً كما قال تعالى [ص 210] 1682 - (إن اللّه اصطفى) اختار واستخلص (كنانة) بكسر الكاف عدة قبائل أبوهم كنانة بن خزيمة (من ولد إسماعيل) فيه فضل إسماعيل عليه السلام على جميع ولد إبراهيم عليه السلام حتى إسحاق عليه السلام ولا يعارضه - (م ت) في المناقب عن (واثلة) ابن الأسقع ولم يخرجه البخاري وخرجه عنه أبو حاتم وغيره قال ابن حجر: وله طرق جمعها شيخنا العراقي في محجة القرب في محبة العرب. 1683 - (إن اللّه اصطفى من ولد إبراهيم) وكانوا ثلاثة عشر (إسماعيل) إذ كان نبياً رسولاً إلى جرهم وعماليق الحجاز (واصطفى من ولد إسماعيل كنانة) بن ثابت (واصطفى من كنانة قريشاً) بن النضر (واصطفى من قريش بني هاشم) فهو أفضلهم وأخيرهم (واصطفاني من بني هاشم)-وبالمصطفى شرفت بنو هاشم وقال بعضهم في تفضيل الولد على الوالد: كم من أب قد علا بابن ذرى شرف * كما علا برسول اللّه عدنان- فأودع ذلك النور الذي كان في جبهة آدم عليه السلام في جبهة عبد المطلب ثم ولده وطهر اللّه هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية. واعلم أن بني إسماعيل بالأخلاق الكرام فضلوا لا باللسان العربي فحسب إذ هم أزكى الناس أخلاقاً وأطيبهم نفساً يدل عليه دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال قال ابن تيمية: قضية الخبر أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق ومعلوم أن ولد إسحاق وهم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بالأولى وهذا جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل عليه السلام هو المصطفى من ولد إبراهيم وأن بني كنانة هم المصطفون من بني إسماعيل وليس فيه ما يقتضي أن ولد إسماعيل أيضاً مصطفون على غيرهم إذا كان [ص 211] أبوهم مصطفى وبعضهم مصطفى على بعض فيقال لو لم يكن ذا مقصود لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل فائدة إذ كان اصطفاؤه لم يدل على اصطفاء ذريته إذ على هذا التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحاق. - (ت) في المناقب (عن واثلة) بن الأسقع ثم قال الترمذي حديث صحيح. 684 - (إن اللّه اصطفى من الكلام أربعاً) وهي قول (سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر) فهي مختار اللّه من جميع كلام الآدميين (فمن قال) أي دبر الصلاة أو غيرها (سبحان اللّه كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال اللّه أكبر مثل ذلك ومن قال لا إله إلا اللّه مثل ذلك ومن قال الحمد للّه رب العالمين من قبل نفسه)-أي لأن الحمد لا يقع غالباً إلا بعد سبب كأكل أو شرب أو حدوث نعمة فكأنه وقع في مقابلة ما أسدي إليه فلما حمد لا في مقابلة شيء زاد في الثواب- يحتمل أن المراد به قصدية الإنشاء أو الإخبار أو قالها لا من جهة نعمة تجددت أو نقمة اندفعت (كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة) وفي رواية أن اللّه اصطفى لملائكته من الكلام أربعاً إلخ. قال الطيبي: لمح به إلى قوله تعالى - (حم ك) في الدعاء والذكر (والضياء) في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معاً) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح. 1685 - (إن اللّه تعالى اصطفى موسى بالكلام) أي بالتكليم له وهو في الأرض-أي بلا واسطة والكلام الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كلام اللّه حقيقة لا مجازاً فلا يكون محدثاً فلا يوصف بأنه محدث بل هو قديم لأنه الصفة الأزلية الحقيقية وهذا ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وقالوا كما لا يتعذر رؤية ذاته تعالى مع أنه ليس جسماً ولا عرضاً كذلك لا يتعذر سماع كلامه مع أنه ليس حرفاً ولا صوتاً وذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني أن موسى إنما سمع صوتاً دالاً على كلام اللّه أي دالاً على ذلك المعنى لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم وأما نفس المعنى المذكور فيستحيل سماعه لأنه يدور مع الصوت فالقول بسماع ما ليس من جنس الحروف والأصوات غير معقول- وأما محمد فوقع له ذلك في العالم العلوي [ص 212] فتلك هي المختصة بموسى. ذكره بعض المحققين (وإبراهيم بالخلة) أي بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله كما مر ذلك مبيناً. - (ك) في كتاب الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي. 1686 - (إن اللّه اطلع على أهل بدر) الذين حضروا مع المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بقصد إعلاء كلمة الجبار وهم ثلاث مئة وثلاثة أو أربعة عشر رجل-وخرج صلى اللّه عليه وسلم يقصد العير فأتاه الخبر بأنها قد سبقت ونزل جبريل وقال إن اللّه وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشاً وكان العير أحب إليهم فاستشار النبي صلى اللّه عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول اللّه امض لما أراك اللّه فنحن معك واللّه ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى - (ك عن أبي هريرة) وراوه عنه أيضاً أحمد وأبو داود باللفظ المزبور فاقتصار المؤلف على الحاكم غير جيد وفي الباب علي وابن عمر وغيرهما ورواه البخاري بلفظ لعل اللّه اطلع على أهل بدر فقال إلخ قالوا والترجي في كلام اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم للوقوع. [ص 213] 1687 - (إن اللّه تعالى أعطاني فيما منّ به عليَّ) أن قال لي أو قائلاً، ففيه التفات (إني أعطيتك فاتحة الكتاب) أم القرآن (وهي من كنوز عرشي) أي المخبوءة المدخرة تحته (ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) أي قسمين فإن كل ما ينقسم قسمين يسمى أحدهما نصفاً وإن كان بينهما تفاوت كما يقال الإيمان هو العلم والعمل نصف الإيمان ولا يدل ذلك أن العمل يساوي العلم ذكره الغزالي ويأتي وجه التقسيم في الأحاديث القدسية. - (ابن الضريس) بضم المعجمة وشد الراء الحافظ يحيى البجلي (عن أنس) ورواه عنه أيضاً الديلمي وغيره. 1688 - (إن اللّه أعطاني السبع مكان التوراة وأعطاني الراءات) أي السور التي امتازت بالراء فكأن الراء هي التي عينتها ولم يقل المرء اللمراءات لثقله وعدم إلفه (إلى الطواسين مكان الإنجيل) قال البقاعي: تأخيره في الذكر يفيد تعظيمه بأن ما قبله مقدمات لتلقيه انتهى وظاهره أنه أفضل من التوراة وفي كلام جمع ما يخالفه (وأعطاني ما بين الطواسين) أي مع الطواسين وما بعدها (إلى الحواميم مكان الزبور وفضلني) على أصحاب هؤلاء الكتب المنزلة (بالحواميم) أي بإعطائي زيادة عليهم الحواميم (والمفضل ما قرأهن نبي قبلي) ما أنزلت على نبي من قبلي فقرأهن فهن من خصوصياته على الأنبياء. - (محمد بن نصر) المروزي في كتاب الصلاة (عن أنس) بن مالك وإسناده ضعيف لكن مما يشهد له. 1689 - (إن اللّه أعطى موسى الكلام) أي التكليم بمعنى أنه خصه به وهو في الأرض كما مر (وأعطاني الرؤية) لوجهه تقدس بعيني بصري يعني خصه بها في مقابلة ما خص به موسى (وفضلني) عليه (بالمقام المحمود) الذي يحمده فيه الأولون والآخرون يوم القيامة (والحوض المورود) الذي يرده الخلائق في المحشر وإشعاره بأن الحوض من خصوصياته غير مراد لما سيجيء في خبر إن لكل نبي حوضاً فتعين أن الخصوصية في الكوثر لا في مطلق الحوض. - (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) ورواه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال الذهبي قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن الجوزي الحديث موضوع فيه الكريمي. 1690 - (إن اللّه افترض صوم رمضان) على هذه الأمة بقوله {كتب عليكم الصيام فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وكان كتبه على أهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشراً قبله وعشراً بعده فجعلوه خمسين وقيل وقع في برد وحر شديد فجعلوه بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين كفارة للتحويل وبالجملة فالصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى اللّه أمة من افتراضها عليهم ذكره الزمخشري (وسننت لكم قيامه) أي جعلت لكم الصلاة فيه ليلاً سنة (فمن صامه وقامه) سالماً من المعاصي قولاً وفعلاً (إيماناً) أي تصديقاً بأنه حق وطاعة (واحتساباً) لوجهه تعالى لا رياء (ويقيناً) تأكيداً لقوله [ص 214] إيماناً أو أراد احتساباً مجزوماً به (كان كفارة لما مضى) من ذنوبه، والمراد الصغائر ما اجتنبت الكبائر كما سيجيء نظائره. وقال ابن عطاء اللّه: وقد رأينا فنظرنا كل مأمور به أو مندوب من الشارع يستلزم الجمع على اللّه وكل منهي عنه أو مكروه يتضمن التفرقة عنه، فإذاً مطلوبه من عباده وجود الجمع عليه لكن الطاعات هي أسباب الجمع ووسائله فلذلك أمر بها والمعصية أسباب التفرقة ووسائلها فلذا نهى عنها. - (ن هب عن عبد الرحمن بن عوف) وإسناده حسن. 1691 - (إن اللّه تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني وأن أؤدبكم مما أدبني) لأني بعثت كالأنبياء طبيباً للأمراض القلبية والأخلاق الوحشية (إذا قمتم على أبواب حجركم) جمع حجرة (فاذكروا اسم اللّه) أي قولوا بسم اللّه والأكمل إكمال البسملة فإنكم إذا ذكرتم ذلك (يرجع الخبيث) أي الفاسد المفسد الشيطان الرجيم (عن منازلكم) أي مساكنكم (وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام) ليأكله (فليسم اللّه) أي فليقل بسم اللّه الرحمن الرحيم (حتى لا يشارككم الخبيث) إبليس أو أعم (في أرزاقكم) فإنكم إذا لم تسموا أكل معكم. قال الحراني: وذلك لأن كل شيء للّه فما تناوله الإنسان باسمه أخذه بإذنه وما تناوله بغير اسمه أخذه على غير وجهه بغير إذنه فيشاركه الشيطان في تناوله فيتبعه المتناول معه في خلواته
|